عصر النهضة هو عبارة عن حركة ثقافية استمرت تقريبا من القرن الرابع عشر الميلادي إلى القرن السابع عشر والتي تعتبر الجسر الثقافي بين العصور الوسطى
والتاريخ الحديث، وكانت بدايتها في أواخر العصور
الوسطى من إيطاليا ثم أخذت في الانتشار إلى بقية أوروبا.
على الرغم من توافر
الورق واختراع حروف المونوتيب التي ساهمت في سرعة انتشار الأفكار أواخر القرن
الخامس عشر، إلا أن تغييرات عصر النهضة لم تنتشر بشكل موحد في جميع أنحاء أوروبا.
شهد عصر النهضة بوصفه حركة ثقافية ازدهاراً في الأدب باللغات المحلية وابداعا في
الأدب اللاتيني بدءاً من القرن الرابع عشر، ونهضةً في التعلم المعتمد على المصادر
الكلاسيكية، والتي يعزو المعاصرون فضلها إلى بيترارك، وتطور الرسم المنظور
والتقنيات الأخرى لجعل الرسم أكثر واقعية وطبيعية، والإصلاح التعليمي الذي كان
متدرجاً لكن على نحو منتشر.
سياسياً، ساهم ظهور عصر النهضة في تعدد
المعاهدات الدبلوماسية بين الدول. أما في مجال العلوم فكان التحول إلى الاعتماد
على الملاحظة. يرى المؤرخون أن هذا الانتقال الفكري كان جسراً بين العصور الوسطى
والعصر الحديث. ورغم أن عصر النهضة شهد انقلابات في العديد من الممارسات الفكرية واضطرابات
سياسية واجتماعية كذلك، إلا أنه امتاز بالتطورات الفنية واسهامات المثقفين مثل
ليوناردو دا فينشي ومايكل آنجلو، الذي ابتكر عبارة رجل عصر النهضة.[2][3] هناك
إجماع على أن عصر النهضة بدأ في فلورنسا بإيطاليا في القرن الرابع عشر.[4]
اُقترحت
العديد من النظريات التي تفسر أصوله وخصائصه، مع التركيز على عدد من العوامل بما
فيها الخصائص الاجتماعية والمدنية لمدينة فلورنسا في ذلك الوقت وتركيبتها السياسية
وسيطرة عائلة ميديشي الفلورنسية ذات النفوذ،[5][6] وهجرة الباحثين في الدراسات
اليونانية ومعهم النصوص اليونانية إلى إيطاليا بعد سقوط القسطنطينية على يد
الأتراك العثمانيين. [7][8][9]
أما
عن مصطلح النهضة فقد جاء من اللفظة الفرنسية رونيسانس Renaissance التي تعني الولادة من جديد والتي هي في الواقع ترجمة للكلمة الإيطالية ريناشيتا Rinascita التي كان المؤرخ الفني الإيطالي ڤرساري
Versari أول من استخدمها عام 1550م للدلالة على انبعاث الفن من جديد. ومنذ أن أصدر المؤرخ والمفكر
السويسري
الكبير ياكوب بوركهارت كتابه
الشهير حضارة النهضة في إيطاليا عام 1860 شاع هذا المصطلح واتسع مفهومه فصار يدل على ذلك
التحول الشامل الذي طرأ على صورة العالم والإنسان عند منعطف العصر الحديث بوساطة إعادة اكتشاف
العصور الكلاسيكية وبعث تراثها واستيحاء منجزاتها وقيمها
الاجتماعية والحياتية، أي إنه صار يدل على عصر تاريخي محدد
له شخصيته الحضارية وسماته المتميزة بالنزعة الفردية والتأثر
بالثقافة الكلاسيكية والآراء الدينية الحرة والأسس الأخلاقية المعتقة من القيود الكنسية والكهنوتية.
لئن كان عصر النهضة يمثل فترة
الانتقال من العصور الوسطى إلى العصور الحديثة؛ فإن إرهاصاته تعود إلى أواخر العصر
الوسيط وقد أظهرت الدراسات التاريخية أن الهوة بين عصر النهضة والعصر الوسيط لم
تكن بالمقدار الذي أحس به الإنسانيون. وهنا ينبغي الإشارة إلى أن ثقافة العصور
الوسطى شهدت سلسلة من «النهضات» بدأت بالنهضة الكارولنغية في
بلاط شارلمان، ثم تلتها أخرى في عصر أوتو الثالث والبابا سلفستر الثاني، ثم جاءت نهضة القرن الثاني عشر مع نشأة أولى الجامعات وانطلاقة الدراسات الأكاديمية وازدياد الترجمات من العربية والإغريقية. وقد تعزز هذا التوجه، وتنامى في القرن الثالث عشر مع تأسيس المزيد من الجامعات في إيطاليا (بادوا وسالرنو) وفرنسا (باريس ومونبلييه) وبريطانيا (أكسفورد وكامبردج) وانتقال التعليم إليها من الأديرة، وكان هذا يعني تحرر الفلسفة والعلم من نير الأفكار الجاهزة.
بلاط شارلمان، ثم تلتها أخرى في عصر أوتو الثالث والبابا سلفستر الثاني، ثم جاءت نهضة القرن الثاني عشر مع نشأة أولى الجامعات وانطلاقة الدراسات الأكاديمية وازدياد الترجمات من العربية والإغريقية. وقد تعزز هذا التوجه، وتنامى في القرن الثالث عشر مع تأسيس المزيد من الجامعات في إيطاليا (بادوا وسالرنو) وفرنسا (باريس ومونبلييه) وبريطانيا (أكسفورد وكامبردج) وانتقال التعليم إليها من الأديرة، وكان هذا يعني تحرر الفلسفة والعلم من نير الأفكار الجاهزة.
وزادت اتصالات الأوربيين بالحضارة
العربية الإسلامية في الأندلس وصقلية ثم في بلاد الشام في أثناء الحروب الصليبية،
وترجمت المؤلفات العلمية والفلسفية العربية إلى اللاتينية وتم بوساطتها تعرف الفكر
الإغريقي وإعادة اكتشاف أرسطو.
وقد
أنشأ الامبراطور فريدريك الثاني سنة 1224 مجمعاً في نابولي لنقل العلوم العربية والفلسفية
كما أن جامعتي بولونيا الإيطاليتين
صارتا من أهم مراكز الثقافة العربية في أوربا. وما إن أطل القرن الرابع عشر حتى
بدأت تباشير النهضة في إيطاليا مع الشاعر الكبير دانتي Dante ت(1265-1321) وملحمته الخالدة : «الكوميديا الإلهية»، ثم
ظهر بتراركا الذي يجمع النقاد على أنه أول الكتاب الانسانيين وأول من
عبر بوضوح وقوّة عن حق الإنسان في الاهتمام بهذه الحياة الدنيا وفي الاستمتاع بما
تحويه من روعة وجمال…وهكذا فقد كان بحق أباً للنهضة وتوج أميراً لشعرائها في روما.
اللوحة "صورة دانتي"، رسمت عام 1495 على يد الرسام والفنان الكبير سيد ساندرو بوتيتشيلي، تعرض في متحف المقتنيات الخاصة، جنيف، تنتمي إلى حركة النهضة. المصدر : www.grandspeintres.com/botticelli/tableau.php
كانت إيطاليا المهد الطبيعي للنهضة الفنية والأدبية في أوربا، وذلك بسبب عدة
عوامل يأتي في مقدمتها:
-
ماضي إيطاليا التاريخي وبقاء التراث الروماني والأوابد الكلاسيكية على
أرضها وبين أهليها ماثلاً للعيان.
-
وهي بحكم موقعها الجغرافي أقرب البلدان الأوربية إلى اليونان والحضارة
البيزنطية و أقواها اتصالاً بالحضارة العربية.
-
شهدت
مدنها - ولاسيما في الشمال – ازدهاراً اقتصادياً كبيراً بسبب انتعاش الصناعة
والتجارة وسيطرتها على الطرق البحرية بين أوربا الغربية وبلدان حوض البحر المتوسط
(البندقية وجنوة) وهذا ما جعلها أغنى إقليم في العالم المسيحي آنذاك وشكل القاعدة
المادية للأعمال الفنية والعمرانية التي جاءت بها النهضة .
لقد أدى تعدد المراكز السياسية والثقافية إلى منافسة نبيلة بين المدن والأمراء
لرعاية الثقافة والفنانين والعلماء يدفعها الحرص
على التفوق والرغبة في أن تضيف إلى بهاء صروحها وروعة مجد مناصرة الفن
والعلم والأدب وحمايتها .
كانت مدينة فلورنسا الموطن الأول لهذه النهضة، إذ كانت في القرن الرابع عشر أغنى مدن
إيطاليا بعد البندقية، وكان الفلورنسيون أكبر صيارفة البلاد؛ وذلك بفضل تنظيم الصناعة واتساع
نطاق التجارة والأعمال المالية والمصرفية. وقد جعلوا من مدينتهم عاصمة إيطاليا الثقافية بفضل
تنافس أسرها الغنية في رعاية الأدب، مثل تنازعها على الحكم والسلطان ، كانت فلورنسا
تفخر بأنها أنجبت أعظم شعراء إيطاليا (دانتي) وأحد أعظم أدبائها (بوكاتشو) وكثيراً من رجالاتها
المبدعين وبقيت طوال القرن الخامس عشر تحمل لواء الزعامة الفكرية والفنية تحت حكم
آل مديتشي وعلى رأسهم كوزيمو Cosimo ت(1389-1464) ولورنزو المهيب Lorenzo il Magnifico ت (1449-1492) وحفيده الذي أقام مكتبة ضخمة في كنيسة سارن ماركو، وكان
يجمع بين النشاط الدبلوماسي ورعاية الفنون والشعر. وهكذا نشأت النهضة في فلورنسا بعد أن
تجمعت أسبابها من سبل كثيرة عظيمة الأثر، وأضحت هذه المدينة بذلك أثينا إيطاليا
مثلما كانت تلك في عهد بركليس. [10]
يشكل عمادَ عصر النهضة الاوروبية ثلاثةُ أحداث فارقة و هي : الاكتشافات البحرية والجغرافية وتغير طرق النقل البحري الذي ساهم في
انتعاش الاقتصاد في الدول المُستكشِفة وبالتالي ازدهار التجارة في أوروبا.
لورينزو دي ميديشي، حاكم فلورنسا وداعم للفنون |
حوت حركة النهضة - شأن
الحركات العظيمة في التاريخ - كثيراً من المزايا وبعض
المثالب. وكان أهم اتجاهين سادا هذه الحركة هما: إحياء
المؤثرات الكلاسيكية في الأدب والفن، ثم تحرير الفكر والفرد من قيود العصور الوسطى وأغلالها،
وقد أدى اتجاه النهضة نحو حرية البحث والاستقصاء إلى حركة الإصلاح الديني.
ومن الآثار الطيبة لحركة النهضة تنوير الفكر وانتشار التعليم الذي تحققت بفضله
أعظم نتائج النهضة وأكثرها ديمومة واستمراراً، وهي إيجاد نوع من الوحدة الثقافية
والخلقية بين بلدان غرب أوربا قامت على أساس الضمير الفردي وحرية الفكر.
المصادر :
[4] Burke, P., The
European Renaissance: Centre and Peripheries 1998
[5] Strathern,
Paul The Medici: Godfathers of the Renaissance (2003)
[6] Peter Barenboim, Sergey
Shiyan, Michelangelo:
Mysteries of Medici Chapel, SLOVO, Moscow, 2006. ISBN 5-85050-852-2
[7] Encyclopædia
Britannica, Renaissance, 2008, O.Ed.
[8] Har, Michael
H. History of Libraries in the Western World, Scarecrow Press
Incorporate, 1999, ISBN 0-8108-3724-2
بالإضافة
إلى : ar.wikipedia.org/wiki/عصر_النهضة
كاتب المقال:
رشا سمراوي